الجمعة، 2 نوفمبر 2012

عن عصام عطا .. عن الذنب اللى مش ناسيينا



فى أى قضية محاكمات عسكرية أو تعذيب .. الحاجة اللى ممكن تفرق بجد للضحية بره أو جوه السجن هي أهله .. وغالبا بيبقى فرد واحد هو اللى بيتبناها ويفضل يجرى وراها ويعمل المجهود كله .. المجموعات أو المنظمات دورها مش اساسى أو رئيسى ..الأهم منه دور الأهل وموقفهم..
وفى حالات كتيرة الفرد اللى بيجرى وراء الضحية هو نفسه بيتغير ..بسبب الانخراط معانا .. أو بسبب انه اتعلم ميخفش .. أو بسبب انه عرف انها خلاص خربانة خربانة ويدخل بصدره جامد..
فى حالة عصام عطا .. محمد أخوه كان هو الفرد ده ..
هو اللى استناه ليلة ما اتاخر ومرجعش تانى يوم 25 فبراير 2011 ..بعد شهر كامل على ثورة عظيمة قمنا بيها ضد
حاجات كتيرة منها خالد سعيد والتعذيب ..!

أخر ليلة لعصام فى البيت

محمد كان بيحكيها بكل تفاصيلها ..حاولت اتخيله زى ما وصفه واقف قدام المراية ..مهندم كالعادة (بروايه اخوه) سعيد ومبسوط وناوى على خروجة .. بتخيله وهو خارج وبيقفل الباب وراه ومش عارف انه مش راجع البيت ده تانى ...ملحقش يخطف منه نظرة أخيرة ..
محمد حكى كل التفاصيل .. ازاى اتسرح وازاى قفل الباب ..وازاى نبه عليه ميتأخرش عشان القلق فى المقطم وقتها ..محمد اخوه الكبير وده كان دوره فى حياته، يصاحبه فى الشغل عشان يخليه يشتغل وينبهه ويبقى متابعه ..
هو كان اول واحد قلق عليه يوم 25 .. لما الساعة جت 11 ولسه مرجعش..طلبه على الموبايل مرة واتنين وتلاتة .. مقفول ..قال لوالده طمنه وقاله كلها نص ساعة وتلاقيه داخل علينا .. الساعة جت واحدة واتنين وعصام مرجعش .
محمد اخوه وقتها أتاكد ان حصله حاجة .. على الفجر كلم صاحب ليه متطوع فى الجيش عشان يسأل عليه .. وفعلا عرف بعدها ان الجيش اخده ولما سأل فى كمين المقطم عرف انه راح س 28 .
بعدها استلم الاب والأم الرحلة من س 28 لسجن الاستئناف .. وكالعادة الاهل افتكروها غلطة من الجيش لحد ما وقع جرنال المسا فى ايد محمد وفيه صورة اخوه بس من غير ذكر اسمه فى النص .. ضمن مجموعة اتقال عليها فى الخبر انهم حاولوا يستولوا على مساكن هناك ..
وبنفس حسن النية راحو يعملوا بلاغ ان ابنهم متاخد غلط واكتشفوا وقتها ان عصام اتقبض عليه واتحكم عليه بسنتين فى خلال 24 ساعة ..
من محامى لمحامى بدأت رحلة محمد .. لحد ما فى يوم صدفة وقع تحت ايده فيديو عن المحاكمات العسكرية وكان بعد احداث السفارة الإسرائيلية  .. شاف رقم التليفون طلب خط الطوارئ ردت عليه "سلمى عبد الجليل" سألها .. الرقم ده يقدر يعملى ايه ؟
وقتها محمد كان ابتدأ رحلة الشك فى كل من يدعى المساعدة ..الكل حتى اللحظة دي إما نصاب أو مستغل لموقف ..عشان كده مكنش سهل انه يصدق أى حد بيساعده .. بس طلب الرقم كنوع من المحاولة ..وكانت الإجابة ان "مجموعة لا للمحاكمات العسكرية " بتابع معاك وتعمل طعن بعد التصديق على الحكم ويبقى معاك محامى لو معندكش ...
اتصدق على حكم عصام (بطلوع الروح) والمحامى عادل رمضان سعى فى موضوع الطعن ..واتنقل وقتها عصام من سجن الاستئناف لطرة .. لتبدأ الشكوى ..
حياة السجن وطلباتها جديدة شوية على اهل عصام عطا .. عشان كده كان صعب عليهم يفهموا ليه اصراره على انهم يبعتوله خراطيش سجاير وشريحة موبايل .. وتسأل والدته ..ليه انت مبتشربش سجاير فيرد انا مديون بيهم بغسيل وشاى .. فيدخل محمد بعصبية  ويقوله متغسل هدومك بنفسك .. !!

 يوم 25 اكتوبر 2011

ورغم كده تروح الأم يوم 25 اكتوبر وتحضر زيارة خصوصى وخراطيش السجاير وشريحة الموبايل اللى طلبها عصام وتدخل بيها مع (آية) لان الاب والابن عندهم شغل اليوم ده وهما ما صدقوا الشغل يرجع تانى ..
عصام استلم كل حاجة وسلم شريحة الموبابل لزميل تانى ليه يدخلها..
الزيارة اللى كانت بتقعدها والدة عصام معاه عادة ساعة أو اكتر شوية ..المرة دى مكملتش الزيارة ربع ساعة ..
قوموها ومشوها بسرعة وقالولها روحى يا ست ..وهى مش فاهمة حاجة ..
مكنتش عارفة ان حوار صغير بين عصام واللى بيعملهم الشاى هو السبب فى ده ..وحوار اصغر مع بتاع الشاى (العصفورة) لمأمور السجن هيكون هو السبب فى موت ابنها.
الحكاية ان عصام وقت الزيارة كان ليه 5 جنيه عند (بتاع الشاى) طلب بيهم 3 شاى .. مرضاش لا يديله فلوسه ولا يديله الشاى اللى طلبه ..وراح لمأمور السجن وقاله أم   عصام دخلت حاجة فى الزيارة لعصام ..
الضابط جه جرى على عصام .. قوم أمه ..ومشاها ..خرجت تاخد بطاقتها ..ولسه وهى على مرمى السمع من ابنها اللى خدوه منها ودخلوه اوضة مفيهاش غير شباك سلك .. فجأة سمعت وهى بره صريخ ابنها ..!
ام عصام سمعت تعذيب ابنها بودانها .. لو كانو اختاروا اصعب تعذيب للأهل من فقدانهم لأبنهم مكنوش هيلاقوا اصعب من لحظة ام تسمع ابنها بيتعذب على مرمى حجر منها وهى واقفة بره عاجزة ..جريت عليه .. حاولت تصرخ ..حاولت تنادى .. سدوا الشباك ببطانية .. وشدوها ورموها بره .
كل ده ومحمد عطا فى شغله هو وابوه بيخلصوا شغلهم ..رجعوا البيت لقوا الام مفروطة من العياط ..حصل ايه ؟عصام ضربوه واخدوا زيارته كلها ومدخلوش ليه  حاجة منها وخرجونى من الزيارة ..
محمد : عادى يا ماما يمكن هيعقبوه يوم  وبعدين يرجعوا له حاجته .. هو كلمك؟
الام: ايوه وطلب منى اشحن له وشحنت له رصيد على الكارت الجديد وطلبنى منه ..وقال لى انهم اخدوا منه حاجته كلها وكان صوته حزين ومتضايق..بس هو  شغل الشريحة  (اى انه لم يبتلع اى شئ حسب رواية الداخلية واستعمل الشريحة الجديدة المأخوذة من الزيارة)
عرف محمد بعدها ان عصام مرضاش يحكى لامه عن اللى حصله اليوم ده من تعذيب ..

26 اكتوبر2011  بالليل الساعة 10 ونص

توقيت لا ينساه محمد .. وقتها اتصل عصام بوالده اللى فتح الاسبيكر ..عصام اشتكى ..حكى كل اللى حصل معاه من تعذيب .. قالهم "انا بموت هنا " قالهم اسم الضابط اللى بيعذبه ورتبته ..طلب منهم يشتكوه فى النيابة الادارية ..
اخد التليفون منه زميل عطا فى السجن وقاله يا حج متعملش حاجة ..هو عصام زعلان بس عشان الزيارة ومش مشكلة ياخدوها ..ومعلش تبقى تتعوض وتجيبو له غيرها ..
محمد والمكالمة شغالة قال لوالده الراجل ده بيتكلم مية مية .. وراح واخد التليفون وقال لعصام " انت بتستعبط .. ضابط مين اللى نشتكيه .. استحمل شوية انت فاكر نفسك فين .. يعنى نشتكيه فى النيابة الادارية وبعدين نروحلهم زيارة تانى ازاى ..اهو الضابط عندك عايز تعمل فيه حاجة اعملها"
عصام اتصد ( محمد بيقول اتقهر).. قالهم خلاص انا مش عاوزكم تعملولى حاجة ..انا مش عايز حاجة منكم وقفل السماعة ..
الليلة دى فكر محمد عطا انه يكلم (منى سيف) بعد ان تعرف عليها ويقولها على اللى حصل لعصام ..لكنه قرر ان الموضوع "ميستاهلش ".
وكانت اخر مرة هيسمعوا فيها صوت عصام تانى .

يوم 27 اكتوبر 2011 الساعة 5 العصر

تليفون محمد عطا رن فى الشغل مع والده .. والدته كانت المتصلة بتقوله الحقنى يا محمد اخوك نقلوه مستشفى ام المصريين .
محمد بتكاسل (لعلمه بتهويل امه ) : ام المصريين ازاى يا ماما لو عصام فيه حاجة هينقلوه مستشفى السجن ..أو اى حاجة تبعهم .. انا هخلص الشغل اللى فى ايدى واجيلك
وعلى عكس العادة ..محمد ووالده مطمنوش .. حسوا بالقلق مرة واحدة ..كلام الام بيروح وييجى فى دماغهم ساعتين عدت وخلصوا الشغل وتركه محمد  لوالده يلمه ويسلمه لصاحب الشغل وطلب والدته ..
كل اللى سمعه كان صريخ واحدة فى التليفون ..هى تصرخ ومحمد يشتم ويصرخ فى المقابل .. لحد ما السكة اتقفلت .. محمد طلب والدته تانى ..ردت هى وكانت بتعيط ..وهى بتقوله " اخوك مات يا محمد " "عصام مات" ..
محمد طول الوقت كان مقتنع ان ده محصلش .. فى غلطة فى الموضوع ..فى تفصيلة الكل نسيها اكيد بتقول ان عصام مامتش ..راح لوالدته على مركز السموم ومنه على  القصر العينى فى الطريق كلم منى سيف ..
كان الخبر بدأ ينتشر ..ومحمدكان بدأ ينهار.. والدته قاعدة على باب ثلاجة المستشفى تبكى مصممة ان ابنها جوه ..ومحمد بيتخانق مع كل عربية داخلة بجثة عشان يشوف ان كان اخوه  واللا لأ .. كانت ممرضة كبيرة فى السن بالقصر العينى قالت لأمه "فى مسجون جابوه  ميت من شوية وشالوه فى التلاجة" ..
فى الاخر عرفوا يدخلوا لجثة عصام ..محمد اول ما دخل وقف ..لأنه عرف جثة اخوه ..من بطانيته ..بطانية عصام اللى جابوها ليه فى زيارة من الزيارات هى .. لأخر وقت كان مصدق ان فى غلطة ..فى سوء تفاهم .. بالراحة كشف عن الغطاء برهبة..كان اول مرة يدخل تلاجة ..يشوف جثة ..يلمسها ..لما قرر انه يطبع قبلة على راس عصام ..
وقتها حس ان جلده ملمسه غريب جدا ..طبعا ده كان بالاضافة للى كان واضح على وشه من تعذيب .. ولحد النهاردة محمد ندمان انه مكشفش عن كل جسمه .

أكتر حاجة  ساعدت محمد بجد .. وقفة الناس جنبه .. كان وقتها فى المشرحة .. وكانت دموعه نشفت على حد قوله ..وكان بيبص باستغراب لكل اللى حواليه .. ناس كتيرة ..كتيرة ..جاية من كل حتة .. فيهم اللى بيعيط بحرقة وفيهم اللى بيهتف ..واللى قاعد جنب امه بيواسيها .. واللى حاسس بالذنب من مرة طنش فيها محمد لما جه يحكيله عن عصام.. كل ده كان غريب عن محمد.. كان بيدور على سبب .. متعبش نفسه كتير .. قرر يصدق كل ده .. ومن غير ما يحس كان بدأ يسيب عالم عاش فيه سنين ويدخل عالم ناس ميعرفهاش بس صدقهم ..
أصر الجنازة تطلع على التحرير ..جنازة طويلة عريضة .. شدت ضهر الاب ..لقى فيها عزاه ..
وزى ما وجود الناس جنب اهل عصام شدهم .. مفيش حاجة كسرت قلبهم بعد موت عصام قد شهادة الدكتور الغريبة :أحمد صيام .. وظهوره وتبريره المكثف فى الاعلام .

بس عصام من يومها مسكتش .. رغم كل حاجة .. رغم خفوت التأييد والموقف الصامت لبعض الناس
رغم التشنيعات اللى طلعت .. اللى مرحمتش ولا سترت .. عشان المظاليم غلابة
رغم تقرير الداخلية ..وحفظ التحقيق .. محمد مسابش خيط فى قضية عصام مجريش وراه ..
جرى ورا ناس بالساعات والأسابيع والشهور عشان يثبت كلمة أو جملة هتجيب حق اخوه .. مخفش من ضابط ..
دور ورا الشهود .. فيهم اللى اتهرب وفيهم اللى خاف .. بس فضل يحاول لحد ما عرف يوثق شهادة واحد فيهم .. جاب تقرير طب شرعى تانى وتالت ..
صور ورق القضية على حسابه وهى محفوظة مرة واتنين وتلاتة ووزعها .. ذاكر القضية..وجاب الشهود.. وأخيرا عرف يفتح التحقيق فيها تانى


محمد معملش كل ده بس عشان احساسه الكبير بالذنب ناحية اخوه ..
محمد عمل ده عشان الناس اللى جت وقفت جنبه .. صعب عليه انهم فى لحظة يصدقوا انهم وقفوا جنب واحد "مش كويس"..
كان عاوز يثبتلهم انهم كانوا صح لما ساعدوه ..وان عصام فعلا استحق ويستحق الدعم اللى بيشوفه ..

محمد يوم ما شاف دعوة ان الناس تروح تقف جنب والدة الشهيد محمد مصطفى اللى استشهد فى أحداث محمد محمود 1 .. افتكر عصام وافتكر ازاى كان محتاج كل واحد وقف جنبه ونزل يمشى فى جنازة محمد مصطفى ويصلى عليه فى نفس مكان ما صلى على عصام ..
عشان يتحول من مجرد مفعول به  وضحية فى قضية ما لفاعل ..
تقرير الطب الشرعى لعصام عطا طلع يوم 2 فبراير (مذبحة بورسعيد) وحفظ التحقيق كان وقت احداث العباسية
يوم ما راح محمد عشان يصور التقرير كانت جثث الشهداء بدأت توصل .. شريط عصام كله مر قدام عينه .. نفس وقفتهم .. نفس لهفة الاهالى .. نفس الترقب والحزن والمصيبة .. حس بأحساسهم وقتها .. وبشكل أفظع ..
أهل عصام عطا كل حلمهم يشوفوا الضابط اللى قتل ابنهم (نور عبد الحميد) جوه القفص حتى لو هيطلع براءة ..
محمد عطا أقصى أمانيه إن القضية توصل المحكمة .. أيا كان ..
ياترى هنعرف نحقق حلمهم ؟!